بألوان زاهية، تتراقص مع نور الشمس، يحلق حمام الحرم، أو حمام الحمى، وكأنه يلبس زيًّا واحدًا، فلا تحس بأي فرق بين حمامة وأخرى، متميزًا برقبته الطويلة، وألوانه المميزة التي تحيط برقبته، وعيونه المرسومة، بما يجعله فريدًا عن بقية أنواع الحمام والطيور الأخرى في العالم.. يهبط على السوح الخارجي، وفي صحن البيت العتيق، وفي ساحات المسجد الحرام وفي شوارع مكة المكرمة، متزينًا بريشه الرمادي المائل للزرقة أو الخضرة عند عنقه، فتخف إليه الأيدى بالبذور والحب، يلتقطها وهو آمن من عبث عابث، أو مطاردة راصد، إذ لا يجوز للمحرم أو غير المحرم قتله، ويستوجب قتله الفدية، أي ذبح شاة، كما لا يجوز تنفيره أو تكسير بيضه بغرض طرده من المكان الذي يحط فيه؛ لهذا صار ما يجده من أمن واطمئنان مثلًا يضرب فيقال: “آمن من حمام الحرم”..
ثلاث روايات تجري على الألسنة، ويستحضرها الباحثون، وهم يجتهدون في رد هذا الحمام الوادع إلى أصله، فثمة رواية؛ وهي الأكثر رجحانًا، ترجع أصله إلى الحمام الذي عشعش على غار ثور بمكة المكرمة، وقاية للنبي صلّى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق أبوبكر رضي الله عنه، عندما لجآ إليه في طريقة هجرتهما المباركة إلى المدينة المنورة..
أما ثاني الروايات، وهي الأقل رجحانًا عن سابقتها، فترد أصل الحمام إلى الطير الأبابيل؛ الذي ألقى حجارة السجيل على جيش أبرهة الأشرم، في عام الفيل، عندما جاءها معتديًا ليهدمها، فرده الله وأخزاه بهذه المعجزة.
أما ثالث الرواية، وهي الأقل حظًا من الذكر، فتردُّ سلاسة هذا الحمام إلى قصة الطوفان الشهيرة، في عهد نوح عليه السلام، حيث كان رسوله إلى اكتشاف اليابسة، وبهذا اتخذ رمزًا للسلام..