من هذا الغار.. غار حراء بمكة المكرمة؛ شعّ نور الحق وانبلج، وصدح صوت الحق وانطلق، فصار رمز وعي، وأيقونة هداية، ومركز إشعاع وضياء تاريخي، درج المحبون من الحجّاج والمعتمرين والزوّار منذ قديم الزمن على زيارته، ليستعيدوا ذاكرة التاريخ الوضئ، ويدركوا عظمة الدين الإسلام الذي خرج من جوف الغار ، ليغمر بسناه الباهر كل أرجاء البسيطة..
ولمّا كان حراء بهذه المنزلة التاريخية العظيمة، والقيمة الحضارية المنيفة، فلا غرو أن توليه رؤية المملكة 2030 اهتمامها، وتفرد له مساحة الاهتمام والتطوير بما يتسق واسترتيجياتها، وينسجم مع مستهدفاتها، ليتحوّل هذا المعلم التاريخي الباذخ؛ إلى معلم ثقافي باهر، متمثلًا في “حي حراء الثقافي”؛ عند محضن الجبل، وفي منبسط سفحه المبارك، مجاورًا لطريق حسين سرحان، الموازي لطريق الملك فيصل، الرابط بين مكة المكرمة والطائف، وهو شريان رئيس للقادم إلى مكة المكرمة أو المغادر منها.. بهذا الموقع المميز يتعالى الحي مشكلًا معلمًا سياحيًا فريدًا، ومحققًا بحضوره في المشهد جملة من الأهداف، ممثلة في السعي نحو تطوير الموقع بما يليق بمكانته التاريخية ومكانة المملكة العربية السعودية، ورعايتها للبقاع المقدسة، والمواقع التاريخية وقاصديها، بجانب استثمار عطاءات المكان الطبيعية، وقيمته التاريخية، بما ينسجم مع مكانة مكة المكرمة، وبعدها الديني والإنساني والتاريخي، والإسهام في إثراء التجربة الدينية والثقافية للحجاج والمعتمرين والزوّار بصورة صحيحة وسليمة، فضلًا عن تحقيق الأمان والسلامة لزوار الموقع، وإضافة عناصر تنموية، تمثل قيمة مضافة للمكان، لخدمة زوّاره من أهل مكة المكرمة، وقاصديها.
لقد وجدت هذه الأهداف النبيلة العون اللوجسيتي الوافر لتحقيقها من “الرؤية”، الساعية نحو تقديم أرقى الخدمات وأجودها لإثراء التجربة الدينية والثقافية للحجاج والمعتمرين، مستهدفة تطوير طريق الصعود من حي حراء الثقافي إلى غار حراء، عبر تمهيد طريق الصعود إلى غار حراء، وإنشاء مركز لتفويج الزوار، مع توفير الخدمات ووسائل الأمن والسلامة التي يحتاجها الزوار في هذه الرحلة الماتعة، حريصة كل الحرص على اللوحات الإرشادية، وأماكن الاستراحة، لتصبح رحلة الصعود إلى الغار يسيرة وممتعة، منذ لحظة الوصول إلى مركز التفويج، حيث يتم تعريف الزوار بالموقع، ومكوناته وطبيعته التاريخية والجغرافية، والخدمات الموجودة فيه، وطريقة الإفادة من هذه الخدمات والتعامل معها..
على بركة الله تنطلق الرحلة الآن، وقد تزوّد كل زائر وزائرة بما يكفي من المعلومات، وزاد شغفهم، وتعالت رغبتهم لهذه الرحلة المباركة.. ها هو “معرض الوحي” أمامهم، وفي جوفه معالم عن قصة نزول الوحي مع الأنبياء، مع جناح خاص عن قصة نزول الوحي مع الروح القدس جبريل عليه السلام، على سيد المرسلين وخاتم النبيين وإمام المتقين سيدنا محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلّم، سيرة طيها الحنين، وعظمة الدين الإسلامي، وما كابده، صلى الله عليه وسلّم من برحاء الوحي، حتى أشرق نور الإسلام وعمّ الكون بأسره.. وما لقيه من عنت الكفار، ومشقة القالين والمناوئين، في مقابل ما وجده من مساندة وعون ومعاضدة من أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، ومن سبق إلى الإسلام من جلّة الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين.. كل ذلك عبر عرض تقني جذاب، يأخذ المشاهد في رحلة سمعية وبصرية ماتعة، تطواف يملأ قلب الزائر باليقين، ويشده إلى منبع النور الباهر فيزاد حبًا للإسلام ونبيه الكريم، صلّى الله عليه وسلّم..
حين يخرج الزائر من “معرض الوحي”، وقد تضاعف الشوق في حنايا قلبه، فإن طريق المتعة والجمال سيقوده لا شك إلى “متحف القرآن الكريم”، في نسق ووحدة موضوع لا تعرف الانتقال الفجائي، فصوت الحق خرج من الغار؛ قرآنًا عربيًا مبينًا في المصحف الشريف، واعتنت به الأمة كل العناية، وأولته المملكة العربية السعودية منذ نشأتها كامل العناية والاهتمام، وهي سيرة حفتها ذاكرة هذا المتحف، الذي يعد أول متحف متخصص في القرآن الكريم في مكة المكرمة، فما أعظم أن يكون هذا المتحف بجوار جبل حراء، الذي نزلت فيه على النبي ﷺ أولى آيات القرآن الكريم.. فزائر المتحف سيمضي في رحلة تعريف بكتاب الله تعالى، وبيان عظمته وعالميته ومظاهر الاحتفاء والعناية به، وأثره في حياة المسلمين.. كل ذلك عبر أسلوب عرض متحفي، مسنودًا بمنظومة واسعة من التقنيات الحديثة، والمقتنيات المميزة، عارضًا مجموعة من أنفس مخطوطات القرآن الكريم، معطيًا زائره لحظة سياحة روحية وفكرية وجمالية مع آي القرآن الكريم، ومن كلل الله هامته بشرف خدمة كتابه الجليل.
نعم؛ الرحلة ما زالت طويلة، ومشقة الصعود تستوجب لحظة استجمام عن “متحف القهوة السعودية”، تدار فيها كؤوس القهوة، مع نفحات ثقافية عن أدواتها ومكوناتها، وطرق تحضيرها في مناطق السعودية المختلفة.. لحظة يقف فيها الزائر على معاني الضيافة والكرم، وثقافة المجتمع السعودي، ويدرك لماذا جعلت المملكة عام 2022 عام القهوة السعودية.. فها هنا يعيش الزائر أجواء هوية مناطق السعودية المعمارية المختلفة جنبًا إلى جنب مع رائحة القهوة ومذاقها، ويستعيد نشاطه وحيويته لبقية الرحلة.. فأمامه الآن “المكتبة الثقافية”، التي خصصت محتوياته لكل مؤلف عُني بتاريخ ومعلومات المدينتين المقدستين؛ مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة، إضافة إلى السيرة النبوية والشمائل المحمدية؛ كما تعتني بشكل خاص بتاريخ وأحداث جبل حراء، والغار، والمنطقة المحيطة، وذلك من خلال الكتب والمراجع العلمية، والمعروضات المتنوعة، والتقنيات الحديثة.
ها هي الرحلة تنتهي بنا الآن عند سفح الجبل، الذي جعل منه القائمون على حي حراء الثقافي مثابة للاستجمام، ولحظة للمتعة مع “حديقة حراء”.. خضرة تسر الخاطر، وجمال يريح العين، وأماكن هُيأت للراحة، والاستجمام، بما اشتملت عليه من مقصورات الجلوس، والاستمتاع بحديقة غناء ضمن بيئة خضراء..
ومن أراد أن يستمتع بما يقدم من برامج وفعاليات؛ فدونه “قاعة الفعاليات”، التي اتخذت لها موقعًا فريدًا يطل على جبل حراء بمساحتها البالغة (24002) متر مربع، وقد جهزت بكافة الخدمات وتجهيزات الصوت والإضاءة المطلوبة، لإقامة المعارض والفعاليات والاحتفالات والمناسبات المختلفة.